الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
التقدير: هذه خولان: و: {مخلصاً} حال. و: {الدين} نصب به. ومعنى الآية الأمر بتحقيق النية لله في كل عمل، و{الدين} هنا يعم المعتقدات وأعمال الجوارح.وقوله تعالى: {ألا لله الدين الخالص} بمعنى من حقه ومن واجباته لا يقبل غير هذا، وهذا كقوله: {لله الحمد} [الجاثية: 36]، أي واجباً ومستحقاً. قال قتادة: {الدين الخالص}، لا إله إلا الله.وقوله تعالى: {والذين اتخذوا} رفع بالابتداء، وخبره في المحذوف المقدر، تقديره: يقولون ما نعبدهم، وفي مصحف ابن مسعود: {قالوا ما نعبدهم}، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير. و: {أولياء} يريد بذلك معبودين، وهذ مقالة شائعة في العرب، يقول كثير منهم في الجاهلية: الملائكة بنات الله ونحن نعبدهم ليقربونا، وطائفة منهم قالت ذلك في أصنامهم وأوثانهم. وقال مجاهد: قد قال ذلك قوم من اليهود في عزير، وقوم من النصارى في عيسى ابن مريم. وفي مصحف أبي بن كعب: {ما نعبدكم} بالكاف {إلا لتقربونا} بالتاء. و{زلفى} بمعنى قربى وتوصلة، كأنه قال: لتقربونا إلى الله تقريباً، وكأن هذه الطوائف كلها كانت ترى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله، فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته.و{زلفى} عند سيبويه مصدر في موضع الحال، كأنه ينزل منزلة متزلفين، والعامل فيه {ليقربونا} هذا مذهب سيبويه وفيه خلاف، وباقي الآية وعيد في الدنيا والآخرة.قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيِلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّى أَلاَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}هذه الآية إما أن يكون معناها أن الله لا يهدي الكاذب الكفار في حال كذبه وكفره، وإما أن يكون لفظها العموم ومعناها الخصوص فيمن ختم الله عليه بالكفر وقضى في الأزل أنه لا يؤمن أبداً، وإلا فقد وجد الكاذب الكفار قد هدى كثيراً.وقرأ أنس بن مالك والجحدري: {كذب كفار} بالمبالغة فيهما، ورويت عن الحسن والأعرج ويحيى بن يعمر، وهذه المبالغة إشارة إلى المتوغل في الكفر، القاسي فيه الذي يظن به أنه مختوم عليه.قوله تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ}. معناه: اتخاذ التشريف والتبني، وعلى هذا يستقيم. قوله تعالى: {لاصطفى مما يخلق}.وأما الاتخاذ المعهود في الشاهد فمستحيل أن يتوهم في جهة الله تعالى، ولا يستقيم عليه معنى قوله: {لاصطفى} وقوله: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} [مريم: 92] لفظ يعم اتخاذ النسل واتخاذ الأصفياء، فأما الأول فمعقول، وأما الثاني فمعروف لخبر الشرع، ومما يدل على أن معنى قوله: أن يتخذ الاصطفاء والتبني قوله: {مما يخلق} أي من موجوداته ومحدثاته. ثم نزه تعالى نفسه تنزيهاً مطلقاً عن جميع ما لا يكون مدحة، واتصافه تعالى ب {القهار} اتصاف على الإطلاق، لأن أحداً من البشر إن اتصف بالقهر فمقيد في أشياء قليلة، وهي في حين قهره لغيره مقهور لله تعالى عن أشياء كثيرة.وقوله: {بالحق} معناه بالواجب الواقع موقعه الجامع للمصالح.وقوله: {يكور} معناه يعيد من هذا على هذا، ومنه كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض، فكأن الذي يطول من النهار أو الليل يصير منه على الآخرة جزء فيستره، وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه، فيجيء {يكور} على هذا معادلاً لقوله: {يولج} [الحج: 61، لقمان: 29، فاطر: 13، الحديد: 6] ضداً له. وقال أبو عبيدة: هما بمعنى، وهذا من قوله تقرير لا تحرير، وتسخير الشمس دوامها على الجري واتساق أمرها على ما شاء الله تعالى، والأجل المسمى يحتمل أن يكون يوم القيامة حين تنفسد البنية ويزول جري هذه الكواكب، ويحتمل أن يري وقت مغيبها كل يوم وليلة، ويحتمل أن يريد أوقات رجوعها إلى قوانينها كل شهر في القمر وسنة في الشمس.
وقالت فرقة قوله: {خلقكم من نفس واحدة} عبارة عن سبق ذلك في علم الله تعالى، فلما كان ذلك أمراً حتماً واقعاً ولا بد، حسن أن يخبر عن تلك الحال التي كانت وثيقة، ثم عطف عليها حالة جعل الزوجة منها، فجاءت معان مترتبة وإن كان خروج خلق العالم من آدم إلى الوجود إنما يجيء بعد ذلك، وزوج آدم حواء عليهما السلام، وخلقت من ضلعه القصيري فيما روي، ويؤيد هذا الحديث الذي فيه أن المرأة خلقت من ضلع، فإن ذهبت تقيمه كسرته. وقالت فرقة: خلقت حواء من بقية طين آدم والأول أصح، وقد تقدم شرح ذلك، وقوله تعالى: {وأنزل لكم} قيل معناه: أن المخلوق الأول من هذه الأنعام خلق في السماء وأهبط إلى الأرض، وقالت فرقة: بل لما نزل الأمر بخلقه وإيجاده من عند الله، وكانت العادة في نعم الله ورحمته وأمطاره وغير ذلك أن يقال فيها إنها من السماء عبر عن هذه ب {أنزل}، وقالت فرقة: لما كانت الأمطار تنزل وكانت الأعشاب والنبات عن المطر، وكانت هذه الأنعام عن النبات في سمنها ومعاشها، قال في هذه {أنزل} فهو على التدريج كما قال الراجز: وكما قال الشاعر [عمرو بن حبان]: [الطويل] وجعلها {ثمانية}، لأن كل واحد فيه زوج للذكر من فرعه، وهي الضأن والمعز والبقر والإبل.وقوله تعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث} قال ابن زيد، معناه: يخلقكم في البطون خلقاً من بعد خلق آخر في ظهر آدم وظهور الآباء. وقال مجاهد وعكرمة والسدي: يخلقكم في البطون رتباً خلقاً من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك.وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف: {يخلقكم} بإدغام القاف في الكاف في جميع القرآن. وقرأ الجمهور: {أُمهاتكم} بضم الهمزة. وقرأ يحيى بن وثاب: بكسرها وهي لغتان.وقوله: {في ظلمات ثلاث} قالت فرقة: الأولى هي ظهر الأب، ثم رحم الأم، ثم المشيمة في البطن. وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هي المشيمة والرحم والبطن، وهذه الآيات كلها هي معتبر وتنبيه لهم على الخالق الصانع الذي لا يستحق العبادة غيره، وهذا كله في رد أمر الأصنام والإفساد لها. ثم قال تعالى لهم: {ذلكم الله ربكم} وقد قامت على ذلك البراهين واتسقت الأدلة {فأنى تصرفون}، أي من أي جهة تضلون وبأي سبب؟
وقوله تعالى: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل} قالت فرقة: {مصدرية}، والمعنى نسي دعاءه إليه في حال الضرر ورجع إلى كفره. وقالت فرقة: بمعنى الذي، والمراد بها الله تعالى، وهذا كنحو قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3- 5] وقد تقع ما مكان من فيما لا يحصى كثرة من كلامهم، ويحتمل أن تكون {ما} نافية، ويكون قوله: {نسي} كلاماً تاماً، ثم نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصاً لله ومقصوداً به من قبل النعمة، أي في حال الضرر، ويحتمل أن تكون {ما} نافية ويكون قوله: {من قبل} يريد به: من قبل الضرر، فكأنه يقول: ولم يكن هذا الكافر يدعو في سائر زمنه قبل الضرر، بل ألجأه ضرره إلى الدعاء. والأنداد: الأضداد التي تضاد وتزاحم وتعارض بعضها بعضاً. قال مجاهد: المراد من الرجال يطيعونهم في معصية الله تعالى. وقال غيره: المراد الأوثان.وقرأ الجمهور: {ليُضل} بضم الياء، وقرأها الباقون: أبو عمرو وعيسى وابن كثير وشبل {بفتحها} ثم أمر تعالى نبيه أن يقول لهم على جهة التهديد قولاً يخاطب به واحداً منهم: {تمتع بكفرك} أي تلذذ به واصنع ما شئت، والقليل: هو عمر هذا المخطاب، ثم أخبره أنه {من أصحاب النار}، أي من سكانها والمخلدين فيها.
|